أخيرًا.. تعود مصر إلى أفريقيا بقلم .. اللواء دكتور/ سمير فرج

أخيرًا.. تعود مصر إلى أفريقيا بقلم .. اللواء دكتور/ سمير فرج

كتب : اللواء
من أهم ما قام به الرئيس جمال عبد الناصر خلال فترة حكمه، أنه أقام علاقات قوية مع أفريقيا، وكانت على أعلى المستويات في جميع النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية. وكانت شركة النصر للاستيراد والتصدير لها مكتب في كل بلد أفريقي، وكانت الصادرات المصرية إلى أفريقيا من أهم مصادر الدخل القومي لمصر. بل تدخلت مصر في دعم حركات التحرير في الدول غير المحررة.
أتذكر يومًا، عندما كنت طالبًا في كلية كامبرلي الملكية بإنجلترا، وكان معي طالب من نيجيريا، قال لي إن نيجيريا لن تنسى أبدًا فضل عبد الناصر فيما فعله عندما قام بعض الضباط النيجيريين في إقليم بيافرا الغني بالنفط بمحاولة الانفصال عن نيجيريا. لم يكن لدى نيجيريا في ذلك الوقت جيش قوي يمكنه التصدي لهم، وبالفعل اتصل حكام نيجيريا بالرئيس عبد الناصر، فأرسل لهم أسرابًا من الطائرات القاذفة، التي قامت بالقضاء على هذه العناصر الانفصالية، وعاد إقليم بيافرا مرة أخرى إلى حضن الدولة الأم.
وخلال هذه الفترة أرسلت مصر خبراءها من المدرسين، ورجال الدين، وخبراء الري والزراعة، إلى الدول الأفريقية. واستقبلت العديد من الطلاب الأفارقة في معاهدها وجامعاتها … وعندما نمر اليوم على “مدينة البعوث” في شارع صلاح سالم، يجب أن نتذكر أن هذه المدينة تم بناءها، بالكامل، لاستقبال الطلبة الأفارقة، الوافدين للدراسة في المنشآت التعليمية المصرية. كل هذه الأعمال زادت من تقارب المصريين والأفارقة؛ فكانت زيارة القاهرة، يوماً، حلماً يراود الجميع في أفريقيا، باعتبارها عاصمة التنوير والثقافة.
تذكرت هذه الأيام، لأنه بعد رحيل عبد الناصر، لم يعطِي الرئيس السادات أفريقيا هذه الأهمية. ثم جاء الرئيس مبارك، وبعد محاولة اغتياله في أديس أبابا عندما كان ذاهبًا لحضور مؤتمر القمة الأفريقي، قرر سيادته الابتعاد تمامًا عن أفريقيا. وعندما تولى الرئيس السيسي الحكم، كانت أفريقيا قد ابتعدت تمامًا عن مصر، وضاعت جهود عبد الناصر التي بذلها خلال الخمسينيات والستينيات.
فمصر، التي تعتبر أكبر دولة في قارة أفريقيا، تأمل في المستقبل القريب أن تحصل على العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ممثلة عن قارة أفريقيا، وهو ما يستلزم جهداً كبيراً، يرقى إلى حد ’المعركة السياسية’ في كواليس الأمم المتحدة. بل إن عليها استعادة قوتها، في أفريقيا، التي كانت لها منذ أكثر من خمسين عاماً.
لذلك فكانت المشاركة في مؤتمر القمة الأفريقية، هي أول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس السيسي بعد توليه رئاسة الجمهورية. وتتابعت زيارات الرئيس السيسي إلى باقي دول افريقيا وبدا جلياً أن الرئيس السيسي بدأ العملي على إعادة مصر إلى أفريقيا مرة أخرى. وأرى أن التحول المصري إلى أفريقيا، في الفترة القادمة، لابد أن يسير في عدة اتجاهات:
الاتجاه السياسي من خلال وزارة الخارجية المصرية … وأرى أن أول إجراءاتها يجب أن يتمثل في عودة منصب وزير الدولة للشئون الأفريقية … تلك الحقيبة التي حملها الدكتور بطرس غالي … وأداراها باقتدار … مؤدياً إلى زيادة التواجد المصري السياسي في دول أفريقيا، دونما أدنى مساس بسيادة تلك الدول. فبتعيين وزير دولة لأفريقيا، ستزيد الاتصالات مع الدول والحكومات الأفريقية … وسيتم دعم أوجه الاستثمار والتعاون المشترك مع الدول الأفريقية … فيجب على مصر المشاركة في القضايا الهامة، التي تمس الأمن القومي لدول أفريقيا… إضافة إلى التعاون مع دول أفريقيا في محاربة الإرهاب، خاصة بعد تولي مصر رئاسة إقليم شمال أفريقيا لمكافحة الإرهاب. واتصالاً بتلك الجهود السياسية والدبلوماسية، أقترح قيام الخارجية المصرية بعقد لقاء شهري مع السفراء الأفارقة بالقاهرة، لتنسيق مطالبهم من مصر في دعم قضاياهم من خلال عضوية مصر غير الدائمة في مجلس الأمن.
الاتجاه الثاني وهو الاتجاه العسكري … وأعتقد أن جميع الدول الأفريقية، باستثناء دولة جنوب أفريقيا، في حاجة إلى دعم مصر العسكري … سواء كان هذا الدعم في صورة أسلحة ومعدات .. أو تدريب .. أو تعاون في مجال المعلومات .. وغيرها … المهم أن تتواجد مصر، بدعم عسكري لهذه الدول … وأن تقطع الطريق على كل من إسرائيل وإيران للتواجد العسكري في القارة!
الاتجاه الثالث، والأهم، وهو الاتجاه الاقتصادي … حيث يجب التركيز على أن تكون الصادرات المصرية هي المدخل إلى قلب أفريقيا … وأن تكون الواردات المصرية من أفريقيا هي أحد العوامل المؤثرة في اقتصادات تلك الدول. وأؤكد أن تلك الروابط الاقتصادية ستكون أقوى المؤثرات في العلاقات مع الدو…
[16:12، 2025/3/8] لواء سمير فرج: مقال في جريده الأهرام يوم السبت ٨ مارس للكاتب محمد الانور في مقاله الاسبوعي بعنوان المقاتل عن اللواء د سمير فرج