الاستثمار الثقافى والمصرى الجديدالكد والجد يعبران بالمصرى ناحية الوجود .. بقلم محمد نبيل

الاستثمار الثقافى والمصرى الجديدالكد والجد يعبران بالمصرى ناحية الوجود .. بقلم محمد نبيل

كتب : اللواء
الآن أصبح اعتياديًّا وليس استثنائيًّا أن تشرق شمس يوم عادى يتساوى مع ما قبله وما يليه من أيام الوطن فى أن تطالعنا وسائل الإعلام بالكشف عن فاسد استقوى سابقًا بما يهدم جسور الثقة فى مصر الجديدة التى طال انتظارها, ولم تمنعه القوة والسلطة والمال والمعارف والحصانة من العقاب حال ثبوت تجريم فعله بالقانون, وأصبح من الطبيعى عدم توريث الوظائف والمهن والأعمال بل والمواهب! فلا موضع تحقق لوريث لا يملك قدرات وجوده الحقيقية, وعاد نموذج النجاح ملكًا للجميع, يستطيع أى منا أن يكون كما يريد وفق إمكاناته الذاتية وليس حسب إرثه! وبهذه الممارسة الحقيقية لعدالة النموذج وشفافية الحساب اطمأن المصرى الجديد على حلمه وأمله فى مصر الجديدة؛ فتفرغ لبذل الكد والجد سعيًا لتحقق حلمه الذى يشبه أحلام بقية المصريين،
ويرسم الجميع -معًا- الحلم الكبير الذى بدت ملامح تحققه تلوح فى الأفق القريب, لكن قوة مصر الجديدة كما تستند على الشفافية والعدالة هى أيضًا تتطلب دعائم الكد والجد لأنهما أساس العمل الناجح، وهما –منطقيًّا- بدايات ومقدمات لنتائج ثمارها ناضجة وأزهارها مورقة, وهاتان الصفتان اللتان من الواجب اتصاف الفعل الجمعى بهما من الضرورة بالتأكيد لصلاحهما أن يكونا أيضًا مستندتين على الإيمان والاستمرار, فلا فعل ناجح مبعثه الكد والجد إلا وكان وراءه إيمان عميق واعتقاد راسخ بأهميته فى الواقع المجتمعى -أولًا- وأثره فى المحصلة الجمعية, ويأتى هذا الإيمان من تفنيد الحجج وعرض الدلائل على أهمية الكد والجد فى العمل وضرورتهما فى صالح الفرد والمجتمع معًا, ولا أعنى اختلاق مذهب فلسفى مزيج ما بين النفعية الغربية البرجماتية المادية وبين الشمولية الشرقية المثالية, بل الحق المقصود هو العصف الذهنى الجمعى الوطنى لخلق -أو بالأدق عودة- ماهية الشخصية الوطنية وما يتوافق مع تاريخها العميق ونسقها الأخلاقى الأول -إنسانيًّا- وعقائدتيها السمحة, وهويتها الثقافية المشتملة على التراكم المعرفى والثراء الإبداعى المتنوع والنتاج الفكرى الذى أسهم فى ارتقاء الشخصية المصرية وتحملها مسؤولية الوجود الإنسانى عندما تطلب الأمر هذا الكد والجد فى مواجهات سابقة وآنية لأعداء الإنسانية, فلم تصطف قومية من القوميات ولم تتحد جنسية من الجنسيات ولم يضحِّ شعب على وجه الحضارة الإنسانية
كما اصطف واتحد وضحى المصريون, وفى التاريخ والحاضر ثراء بالغ بمواقف المصريين, وفى الفعل المصرى أيًّا كانت طبيعة وصفة هذا الفعل كانت النجاحات التى عبر عنها لسان حال العالم بالمعجزات المصرية, ومنها على سبيل المثال لا الحصر فى الفعل الجمعى انتصار المصريين على التتار والمغول أعداء التحضر, وصد ودحر الحملات الصليبية -المخادعة باسم الدين- ووقف هجمات الاستعمار -مع التحفظ على هذه المفردة (الاستعمار)- الفرنسى والبريطانى والصهيونى بجولاته الخمس (48 و56 و67 والاستنزاف و73) هذا كلاسيكيًّا! أما بما يسمى بمعارك الحداثة وما بعد الحداثة كحروب الجيل الرابع والخامس ومحاولاتهم فى تفعيل مقولة أحد الحاقدين: “ليس من المتعة فى شيء أن تقتل عدوك! إنما المتعة فى أن تجعل عدوك يقتل أخاه ثم يقتل نفسه”. وأبطل المصريون هذه المقولة رغم وقوع الشعوب المجاورة فى مصيدة هذه المقولة, إلا أن المصريين اجتازوا بالكد والجد فى الفعل هذه المرحلة, وتكرر فعل العبور الذى يجيده ويحترفه المصريون -دائمًا- ولكن هذه المرة لم يكن عبورًا من نكسة إلى انتصار، إنما كان بالكد والجد فى الفعل عبورًا من الفناء إلى الوجود, فكان لزامًا على الشخصية الوطنية الإيمان بالكد والجد فى الفعل لتقرير المصير, وهذا هو حال الوحدات الفردية من محصلة مجموع الشخصية المصرية الوطنية, فكان مقتضى الحال يستوجب إيمان كل منا بدوره فى الفعل الإيجابى،
وكده وجده فى إنجاح وجوده, وتحول الفعل الوطنى من مجرد مساعٍ لإنجاح الذات ومحاولات لتلبية حاجات ضرورية وأخرى رفاهية إلى هدف وحيد أسمى وأعلى وهو الحفاظ على الوجدود الإنسانى للشخصية المصرية, فهاتان الصفتان فى الفعل الجمعى (الكد) و(الجد) هما اللتان قد حفظتا البقاء أولًا, ثم عبرتا بالوجود الإنسانى من حالة المفعول به إلى حالة الفاعل, والفارق ليس فى الجناس الناقص -شكليًّا- إنما هو فى حقيقة الوجود فحسب, وبالكد والجد فى الفعل تتحقق الأحلام, وتتجسد الأمانى, وتكون الطموحات محل الوجود الحقيقى وليس سكناها فى الخيال والوجدان,
فالبيئة المصرية أصبحت صالحة لإنبات أمثال الحكيم وطه والعقاد والعبقرى الموجى والساحر جاهين وحليم ربابة الوطن والقيثارة أم كلثوم والباز الساسية والباز الفلك ومصطفى السيد قاهر السرطان وزويل مجسد اللحظة وحناجر السماء كالنقشبندى وطوبار والطبلاوى وعبد الباسط والعظيم محمد رفعت، ومن قبلهم كثيرون وكثيرات، منهن: إنجى أفلاطون وملك حفنى ناصف وسيزا نبراوى، والقادمات أكثر والقادمون كثر, بالكد والجد تبنى العقول مصر الجديدة قبل الأيادى, وبالكد والجد تنال الشخصية المصرية مبتغاها فى أن تعود صاحبة الفعل الإنسانى، كما كان الأجداد والآباء, وإلى جوار الكد والجد يجب وجود التقدير والعرفان, التقدير لمَن هم بذلوا الفعل، والعرفان لمَن هم أتاحوا الفرصة. وفى القادم إن شاء الله حديث عن التقدير والعرفان.
وفى القادم إن شاء الله أحاديث عن مصر الجديدة والمصرى الجديد.