أخبار عاجلةمقالات وابداعات

الاستثمار الثقافى وبناء الإنسان (4) إدراك ماهية الوجود.. بقلم محمد نبيل

الاستثمار الثقافى وبناء الإنسان (4)
إدراك ماهية الوجود .. بقلم محمد نبيل

الاستثمار الثقافى وبناء الإنسان (4)إدراك ماهية الوجود .. بقلم محمد نبيل
الاستثمار الثقافى وبناء الإنسان (4)
إدراك ماهية الوجود .. بقلم محمد نبيل

بقلم : محمد نبيل 

جل ما يدركه المصرى الجديد هو (ذاته)، وعليه التعرف على ذاته أولًا قبل التعرف على البيئة المحيطة لتلك الذات؛ فهو عندما يعى ماهيته سيملك لا شك مقومات هذه الذات ومدى قدرتها على التغير ومقدار طاقاتها على الانتقال من مربع الصفر إلى الخطوات الإيجابية التى ترتقى بفكره وتحضر سلوكه، وسيتأكد –يقينًا– أنه المسؤول الأول عن التغيير.

وتحدث اللغويون والفلاسفة كثيرًا عن تعريف الإنسان وماهيته؛ فكان الأوائل منهم معنيين بكون الإنسان متفردًا عن غيره من الكائنات بالعقل كما فى شروح أفلاطون وأرسطو، ومنهم مَن عكس تلك النظرية كأمثال نيتشه الذى صنف العقل بأنه أحد الغرائز المسؤولة عن الوجود كما جاء فى كتابه (العلم المرح)، وهو الذى قلل من القيم الأخلاقية التى يتسم بها العقل مثل الرحمة والتسامح، ووصفها في بحثه الذى حمل عنوان (جنيالوجيا الأخلاق) على أنها أخلاق ضعف وعبودية، ولا تدل على القوة والسيادة. ويذهب هايدجر بأنه المخلوق الذى يكون فى العالم الذى يحدده الموت، ويجربه القلق. ويعرّفه جون سارتر بأنه الكائن الذى لا يعرف الراحة أبدًا، ويحيا بمعارضة ذاته. وترى الوجودية أن الإنسان شخص قلق وممزق ولديه شعور عميق بالمسؤولية. أما دارون الذى لم تتحرج أحاديثه عن كون الإنسان أصله قرد وأنه أعلى مراتب الرئيسات، وليس هذا هو كل ما تمخض عنه الفلاسفة لوصف الإنسان وتعريف كنهه، بل راحت المدرسة الواقعية إلى الحديث عن الإنسان بشكل أشد قسوة وضراوة من المفترسات التى تعيش بقانون الغاب، وأن الإنسان ما هو فى جوهره إلا حيوان مفترس يتخذ غرائزه الحيوانية أساسًا لأفكاره، وأن الخير يزول بمجرد تقابله مع صراعات الحياة، فتظهر الحقيقة الشريرة للإنسان، كما قام دعاة الواقعية بربط الإنسان بغرائزه، وعملوا على إفساده وتحريك شهواته، وجعلوا كل شيء مباحًا عنده، وربما سعت البرجماتية إلى تسخير الكون لصالح الإنسان وبقائه منفردًا مستغلًا لغيره من الكائنات بما فيهم الإنسان الآخر!، والعديد من نظريات المدارس الرأسمالية تدعو لتقديس الوجود الإنسانى وحريته فى أن يغير العالم لصالح غرائزه وحده، دون الأخذ فى الاعتبار بوجود غيره فى الحياة، وعلى العكس كانت مدارس الشيوعية بدءًا من هيجل وماركس وغيرهما اللذين اعتبرا الإنسان كغيره من عناصر الكون مخلوقًا من مادة.

ورغم أمواج التعريفات المتلاطمة بين مدارس الشرق والغرب ومحاولات التوفيق بينهما ممن ارتضوا بدور المواءمة دون الخلق والابتكار، وممن سكنوا المناطق الفكرية الرمادية غير الواضحة الزاهية المعالم؛ فإننى أرى أن الإنسان محصلة المجموع لما يُطلق عليه الذات، والضمير، والعقل، والنفس، والروح.. وجميعهم يسكنون وعاء الجسد ومجاله المحيط به من هالات متداخلة معًا ومتشابكة مع غيرها، وإذا غابت إحدى تلك المكونات للإنسان فقد على الفور إنسانيته، فهى أجزاء تعتمد على تداخلها معًا وتشابكها فى هيراركية مركبة، فمَن فقد عقله ليس بإنسان، ومَن مات ضميره ليس بإنسان، وهكذا..، فليس المعيار هو صلاح الجسد وكمال صحته ليبقى الكائن إنسانًا، فالكثير من الحالات نعلم عنهم موت الجسد وبقاء الروح ليبقى الإنسان موجودًا حيًّا، فهل الروح هى الإنسان؟!، وكثيرًا مَن نعلم عنهم ذهاب العقل وبقاء الروح والنفس، فهل ظل هذا الكائن إنسانًا؟!، ومنهم مَن نعلم عنهم بقاء الروح والنفس والعقل وصلاح الجسد مع فساد أمر واحد وهو الضمير، فهل هذا إنسان؟!. وإذا رأينا النفس والروح والضمير والعقل معًا فى وعاء الجسد وحول مجاله ولكن هذا الكائن فقد ذاته ولم يحققها ولم يتحرك من الصفر الوجودى إلى مربعات الحركة الإيجابية للأمام ولأعلى، هل يمكننا أن نطلق مفردة (الإنسان ) بمفهومها الكامل على ذاك الكائن؟!.

إذًا نتفق بقدر ما أن الإنسان هو محصلة عقله وروحه ونفسه وضميره وذاته، تلك الخمس المكونة لهذا الإنسان محل الحديث عن ارتقائه وتحضره، فلن يملك الإنسان تغير موقفه فى حياته من الصفر الأنطولوجى إلى الرقم الصحيح الموجود والمؤثر إيجابيًّا بحضوره وسلبًا بغيابه إلا عندما يدرك ماهية إنسانيته، وهى المتكونة من العقل والضمير والذات والنفس والروح معًا دون غياب لأى منهم، ومن هنا يتحتم التوجه لمدى قدرة الإنسان فى تغير حياته بتجويد وتحسين كل مكوناته؛ فعلى العقل أن يؤدى دوره فى الإدراك، وعلى الروح أن تسمو عن الدونية، وعلى النفس هجر أسباب فنائها، وعلى الضمير أن يبقى يقظًا غير غافل، وعلى الذات أن تسعى لتحققها، وبهذا يدرك الإنسان مدى قدرة مكوناته على الارتقاء والتحضر أو على التغير للأفضل.

ونستكمل فى القادم إن شاء الله لنبنى أركانًا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لإمكاناته فى التغير، وعلى الإنسان أن يعيد تقييم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية فحسب، وإنما الباطنة أيضًا، ويعود كما كان أجداده هم الأصل وأصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى