الامن الثقافى والهوية الوطنية (٢٥) تماثيل تزييف الوعى عابرة للحضارات .. بقلم محمد نبيل

كتب : اللواء 

كان حجر رشيد مكتوب عليه ذات النص باللغات اليونانية والديموطيقية والهيروغليفية.
وكانت فكرة التمثال لشامبليون وهو يضع احدى قدميه على رأس أحد ملوك مصر القديمة، صمم بارتولدى الحاقد على مصر، ولأن عمله لم يكن للفن كرسالة وهدف، إنما محاولة منه لتوظيف الفن لأغراض انتقامية من مصر، فخرج العمل فى منظوره الفنى إهانة لشخص شامبليون المراد تكريمه، فبدى كشخص مضطرب يعانى من الألم وربما من الإمساك كما انتقد الكثيرون وسخروا ـ فنيا ـ من هذا العمل غير الفنى.

وكان من المخطط هو نقل التمثال إلى مسقط رأس شامبليون، لكن التمثال لم يجد الدعم المادي الكافي لذلك ظل منصوبًا في باريس، وتكررت ذات الحجة فى عدم نقل تمثال (الفلاحة المصرية) الى مصر لندرة التمويل وكذلك عدم نقل تمثال شامبليون لمسقط رأسه (فيجياك) لذات السبب، ليبقى فى باريس ليكسب الشهرة الأكبر والأوسع، وفي عام 1878، تم وضع التمثال في موقعه الحالي بساحة كوليج دو فرانس، أو الكلية الفرنسية في وسط باريس، وهي أحد أهم معاهد التعليم بفرنسا، وعرضه في الحديقة أو “الساحة المصرية” التى أنشأها عالم المصريات الفرنسي أوجست مارييت، وشارك في المعرض العالمي لعام 1877 الذي كان يحتفي آنذاك بنهاية الحرب بين فرنسا وبروسيا.

وعندما ثار المصريون ومن خلال الجالية المصرية فى باريس فى 2013 على مثل هذه الأعمال التى جانبها الصواب وغادرت أهداف الفن ورسالته الثقافية، كان الرد غير الرسمى من إعلام فرنسا : بأن الفرنسيين يعشقون كل ما هو فرعونى ـ بالمناسبة ترديد مفردة فرعونى ليست فى صالح المصريين بما تعنيه من دلالة تستحق الفحص ـ حتى أن الإعلام الفرنسى قد سرد أسماء عدة من علماء الآثار الفرنسيين المعنيين بالحضارة المصرية من باب الدفاع عن موقفهم، وتناقلت وسائل الإعلام أسماء من علماء المصريات الفرنسيين، وأشاعت أن من أسس الأنتيكخانة (مصلحة ثم هيئة ثم المجلس الأعلى للآثار فيما بعد) ومن أدارها هم علماء فرنسا، بداية من أوجست مارييت باشا، وجاستون ماسبيرو، وفيكتور لوريه، انتهاءً بيير لاكو وغيرهم ، لكن كان كل ذلك مناورة إعلامية لم تنتج طحين (!) فلم تتم إزالة سبب الخلاف الحقيقى وهو تمثال شامبليون.

وبعيدا عن التفسيرات التى تذهب بأن التمثال لوجه الملك تحتمس الثالث أعظم حكام مصر الذين أقاموا فتوحات الدولة المصرية، أو كان للملك رمسيس الثانى وهو صاحب التاريخ الأشهر بين ملوك مصر القديمة، أو كان وجها رمزيا يحمل ملامح حكام المصريين القدماء، فالحق يستوجب علينا أن ندافع عن الرمز المصرى الذى يشكل أحد الثوابت الهامة المكونة للشخصية المصرية، ولا نستمرىء حصد وجنى مكاسب مادية تركها لنا هؤلاء الأجداد من قبيل السياحة أو الترطين بنعرة ثقافية جوفاء بأننا أحفاد هؤلاء العظام بناة مصر القديمة.

ويتبادر إلى الذهن سؤالان فى غاية الأهمية، وهما: كيف لنا أن نسكت على فعل الإهانة لرمزية أجدادنا؟ والثانى، هو: هل نستطعم كرامة ونستعذبها من عوائد واستثمارات حضارة الأجداد ونحن نترك عملا يدنس كبريائهم ويحقر عظمتهم؟
للثقافة المصرية دورا رائدا ووطنيا فى العديد من مراحل تاريخنا القديم والحديث ، وتلك معركة يقتضى الحال فيها بانتصار الثقافة المصرية لمجد هويتها، وكبرياء أجدادنا، حتى يعلم القادم من الأجيال أن فى الثقافة فرسان تصون الهوية الوطنية وتلوذ عن الشخصية المصرية، من … لن يتجاهل؟ ومن يستجيب؟!.
وفى القادم ان شاء الله مفاجأة تهدم نسب فك رموز حجر رشيد لشامبليون بل هى لعالم غيره من الشرق ممن سبقه بالف عام!!