دكتور سمير فرج.. «إوعى وشك» بقلم منال لاشين

دكتور سمير فرج.. «إوعى وشك» بقلم منال لاشين

كتب : اللواء
لا أدرى حقًا من أين يأتى البعض بهذه الشجاعة المتهورة والثقة المدمرة خلال الخلاف فى المناقشات والآراء
هناك فارق بين الشجاعة فى إبداء الرأى ومواجهة ذى السلطة والنفوذ أو حتى مواجهة المجمتع أو العقل الجمعى، وبين الشجاعة المتهورة فى أن تبدى رأيك وتشتبك فى معركة كلامية دون معرفة أو علم واستعداد للمناقشة، ويزيد الوضع عبثية لو كان خصمك فى الرأى أحد أهم الخبراء فى مجاله.
وقد اعتدت إذا قرأت أو سمعت رأيًا مخالفًا لرأيى من خبير من الوزن الثقيل، كما نقول، أن أعيد التفكير وأقلب الأمر من كل أوجهه لأتأكد أننى أعرف كل المعطيات احترامًا لصاحب الخبرة الأكثر والأعمق فى مجاله، وقد أتراجع أو أراجع موقفى أو أستمر فى توجهى بثقة أكبر.
ولذلك أُصبت بدهشة وصدمة للتطاول على اللواء الدكتور سمير فرج من بعض الهواة، لأن الدكتور سمير قال إن 7 أكتوبر أعاد الاهتمام بالقضية الفلسطينية التى كادت أن تموت وتُنسى.
اتهامات وشتائم وتحليلات دون أن يسأل الهواة أنفسهم: من هو الدكتور سمير فرج، وهل خبرته وعمله يستحقان أن نتوقف كثيرًا عند ما قاله أو يقوله بوجه عام؟
الدكتور سمير فرج ليس لواء ذا خبرة عسكرية فقط، ولكنه واحد من الخبراء على المستوى الدولى فى مجاله. وقد لفت الدكتور سمير فرج أنظار العسكريين فى العالم بعد واقعة مهمة.
بعد انتصار أكتوبر طلبت محطة «بى بى سى» إجراء مواجهة بين اثنين من قيادات العسكريين فى مصر والكيان الصهيونى حول خطة الحرب. ورشحت القيادة المصرية الدكتور سمير فرج، وكان يدرس فى كلية عسكرية بريطانية. ورشح الطرف الآخر إرييل شارون الذى أصبح فيما بعد رئيس وزراء إسرائيل وأحد زعماء التطرف.
ونجح الدكتور سمير فرج نجاحًا باهرًا، وأحرج شارون، ونال إعجاب واهتمام العسكريين فى العالم، فأصبحت الدعوات تُوجه له لحضور الفعاليات الاستراتيجية والعسكرية. والدكتور سمير فرج هو أول ضابط يتولى التدريس فى كليه كمبرلى الملكية لأركان الحرب ببريطانيا من خارج الناتو ودول الكومنولث.
ورغم ابتعاد الدكتور سمير فرج عن الحياة العسكرية إلا أنه ظل متابعًا لكل ما يحدث فى عالم الجيوش والحروب والأسلحة والعلاقات الاستراتيجية.
ورجل بهذا الثقل الاستراتيجى والعسكرى عندما يقول رأيًا، فالأولى أن يراجع الآخرون آراءهم ومعلوماتهم السطحية.
وكان أجدر بهؤلاء الهواة أن يهرولوا إلى «جوجل» ويبحثوا عن الأسباب التى تدفع رجلًا بهذا القدر الرفيع من الخبرة لقول ما قاله.
لو فعل أحدهم ذلك لعرف الحقيقة التى لم يصل إليها لعدم خبرته أو اهتمامه.
قبل 7 أكتوبر كانت تصريحات قيادات الكيان الصهيونى بوضوح أن القضية الفلسطينية انتهت، وأن كل الدول العربية التى لم تطبع مع إسرائيل قاربت على التطبيع على جثة القضية.
قبل 7 أكتوبر كانت غزة والضفة فى مصيدة الموت والاعتقال وهدم المنازل والاستيلاء على أراضى الضفة التى تقع تحت حكم المعتدلين بلغة الساسة.
قبل 7 أكتوبر كان الفلسطينيون، نساء وأطفالًا وشيوخًا، يُقتلون كالغنام بدون ثمن ولا اعتراض ولا اهتمام ولا دعم إلا من رحم ربى.
قبل 7 أكتوبر كان العالم الغربى يتحدث عن قتل صامت وليس رحيمًا، (اخلصوا منهم بسرعة).
الآن يتحدث الرئيس الفرنسى ماكرون بلغة عربية عن أرض الفلسطينيين ودولتهم، ويعلن الاعتراف بدولة فلسطين خلال شهرين، وتكشف المظاهرات فى جميع أنحاء العالم عن وعى الشعوب الأجنبية بالإجرام الصهيونى وبالمعاناة الفلسطينية، الآن نتنياهو مجرم حرب بحكم محكمة.
أما الخسائر البشرية ودماء الشهداء فيتحملها الكيان الصهيونى المتطرف المجرم. غزة يا سادة دُمرت أكثر من مرة، ولكنكم لا تعرفون أو مصابون بحول سياسى.
لا يعرف الهواة أن الحرب ليست فى الميدان أو التخطيط فقط، لقد كانت حرب أكتوبر نموذجًا للتخطيط الاستراتيجى وكفاءة بطولة وعظمة المحارب المصرى، ولكن ذلك لا يقلل من دور التضامن العربى واستخدام سلاح البترول العربى لدعم مصر.
ومعركة تحرير الجزائر كانت نموذجًا لشجاعة وتضحية شعب قدم مليون شهيد، ولكن ذلك لا يقلل من دور مصر والدول الداعمة للجزائر فى حسم معركة التحرير.
لو وقف العرب وقفة رجل واحد لتغيرت النتائج، وبصراحة تامة مصر وحدها تسند الآن الفلسطينيين رغم الضغوط والتحديات.
بافتراض حسن النوايا فإن ما ينقص القضية الفلسطينية هو تكرار نموذج حرب أكتوبر فى التضامن العربى، وإذا كان سلاح البترول فقد تأثيره فسلاح المال والاستثمارات لايزال سيد الصفقات والعلاقات.
ولذلك كان من البديهى أن يدرك خبير رفيع المستوى مثل الدكتور سمير فرج أهمية ما جرى فى 7 أكتوبر.
والحقيقة أنا لا أكتب هذا المقال دفاعًا عن سمير فرج، لأنه ليس متهمًا ولا يحتاج دعمى، ولا أكتب مقالى دفاعًا عن 7 أكتوبر التى أحيت القضية الفلسطينية، لأنى كتبت فى ذلك عدة مقالات. ولكننى أكتب لأننى منزعجة من عدم احترام العلم والخبرة والاستهانة بكل ذلك، والنقاش على طريقة «إوعى وشك».
حقيقى حاجة تفقع المرارة.
اللهم أنقذ أهلنا فى فلسطين بقدرتك، واحفظهم، وامنحنا القدرة على مساعدتهم.