
«سفر العاشقين 6».. قصة قصيرة للكاتب محمد نبيل

بقلم: محمد نبيل
كان القادم من مشاوير سحيقة مفتونا هو أيضا بهذه المرأة التي تتعطر بجمال جيوبولوتيكي، هو يعترك دائما من أجلها، يموت مرات ويشتد صلبه كثيرا، يهرم حتى كاد أن يتبدد ويعود فتيا، يعجب بفتوته المحيطون حتى يظنوها بلا سبب..إلى أن تبدو عليه مظاهر الإعياء من طول سفره فيها، وكاد أن يتحول إلى حفرية بين ثنايا تراكيبها الجيولوجية الكثيفة.
فقد عصفت به أو كادت نزاعاتها الثيوقراطية التى طرحته أرضا، وهنا تململ ساعده فلم يقو على قبض حسامه، ولم تعتريه سوى حركات عينه التي أوشكت على الغياب في غيابات جحرها، وأخذ ضيها في الانزواء خفوتا خفوتا، حتى راح في رحلة ميتافيزيقية يقتر ذكرياته معها.
هذه الفاتنة تقسو عليه كثيرا ويحبها.. وتتقرب منه حتى تتبخطر في أوصاله وتعانق أشجار صدره، فتبدو منها كسنا برق متألق أخاذ متعطرة بعرقه .. يتذكر فتنسحب خلسة من كبريائه قطرة صبارة المذاق ينعى بها حاله الوهن .. يجزم من حوله أن دقات ساعته قد أذنت برحيله السرمدي، فيجمعون أشتاتهم ليقيموا على قبره شهادة ميلادهم وزعم وجودهم ويتزوجوا جميعا بفاتنته وهم لا يعلمون قسوتها الخفية، يرددون أكاذيبهم الصادقة عن أنها خزانة الأرض..
وعندما يحتشدون من كل حدب تتقطر من أنيابهم أحلام الغريزة الوضيعة وتنتشيهم نوبات الانتصار المهترئة كعادتها التي لم يتذكروها أو تناسوها.. وهو ملقى على أرضه لا يملك من أمره إلا ذكرياته التى لم تخنه أبدا.. ويومئ بلحظة إليها تلك المصلوبة على مائدة الذئاب لتؤكل حية، والأقوام منشغلون بطقوس التقسيم، وتصم آذانهم قرع طبول النصر الهمجية.. فتناديه بصوت لم يتسلل إلا إليه فقط، يقرر الموت ببطولة كما كان يموت سلفا.. يستجمع ما بقى من كرامته الممدة معه هى كل ثروته التي لم تتخل عنه .. علها تهبه الحركة..
وفعلا احتضن تراب الأرض زحفا ليموت عندها.. يقترب رويدا رويدا يرجوها أن تمد يدها لترفعه إلي صدرها.. يسترحمها ويستعطفها بأناشيد كان يرددها ممتزجة بإيقاع ضربات قلبه المتشابكة بأنفاسه المتلاحقة العائدة لفاتنته مع صخب خطواته المخضبة بغبار هالات النصر.. تتمتم شفتاه ما يتذكره لحنا وهى وحدها تسمعها حتى تلامس أنامله ويتشابكا جذبا إليها، تقربه منها تهمس إليه.. هو يعلم ما يفعله دائما .. فقط الآن قرر ألا يموت ثانية.