مفتي الجمهورية: الإسلام أقام حضارة إنسانية راقية

مفتي الجمهورية: الإسلام أقام حضارة إنسانية راقية

كتب : اللواء
أكد فضيلة الدكتور نظير محمد عياد مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن القيم الإنسانية في الإسلام تمثل إحدى صور الإعجاز البارزة في هذا الدين، مشيرا إلى أنها جاءت في لحظة تاريخية كانت البشرية وقتها في أمس الحاجة إلى منظومة أخلاقية وإنسانية تحفظ كرامة الإنسان وتضمن له الحق في العيش المشترك بسلام وعدل ومساواة.
جاء ذلك في كلمة المفتي بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر “المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك”، الذي تنظمه جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي والذي بدأ اليوم ويختتم أعماله غدا.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن القيم في الإسلام ليست وليدة ظرف زماني معين، بل هي ثابتة وشاملة ومتكاملة، تمتد من علاقة الإنسان بذاته، إلى علاقته بأسرته ومجتمعه، وانتهاء بالبشرية جمعاء، مستدلا في ذلك بجملة من الآيات القرآنية التي تكرس هذه المبادئ، وتؤسس لنهج إنساني عالمي يضمن الحقوق، ويرسخ روح التسامح والعدل والرحمة، ومنها قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]، التي تؤكد على كرامة الإنسان بصرف النظر عن لونه أو عرقه أو دينه، وقوله سبحانه: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13]، الداعية إلى التعارف لا التنازع، بالإضافة إلى قوله تعالى {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256]، التي تمثل أساسا لاحترام حرية المعتقد، وقوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90]، باعتبار العدل قيمة مركزية في بنية الإسلام الحضارية.
ونوه فضيلته، إلى أن الحضارة الإسلامية قامت على أسس علمية وإنسانية راسخة، أبرزها تقديس العلم والرحمة العامة، والعدل والمساواة، والتسامح والتعارف، ونبذ العصبية والطائفية، مشيرا إلى أن هذه القيم تجلت بوضوح في وثيقة المدينة المنورة التي أرست دعائم العيش المشترك بين المسلمين وغيرهم تحت مظلة دولة المواطنة، محذرا من مخاطر الجماعات المتطرفة التي شوهت صورة الإسلام، وتسببت في زعزعة الأمن والاستقرار.
وأكد أن الجهل بالنصوص الدينية، وسوء تأويلها، هو السبب الرئيس في انحراف هذه الجماعات عن جادة الحق، وهو ما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، في إشارة إلى خطورة التحريف على يد الجهال والمتطرفين.
وشدد مفتي الجمهورية على أن التطرف يمثل تهديدا جوهريا للهوية والانتماء الوطني; لأنه يؤسس لانتماء مزيف للفكرة المتطرفة، ويرفض الهويات الوطنية الحديثة التي لا تتعارض مع الدين، كما يروج لمفاهيم مغلوطة تزرع العداء والعنف وتنفي وجود الآخر، منتقدا دعوات التغريب والانبهار المطلق بالنموذج الغربي، والتي تؤدي إلى مسخ الهوية الذاتية للأفراد والشعوب.
ودعا إلى التوازن بين الأصالة والمعاصرة، والانفتاح الواعي الذي لا يفرط في الثوابت ولا ينكر المتغيرات، مشيرا إلى أن قيم المواطنة والهوية والتعايش تواجه تحديات كبرى، في مقدمتها التطرف، والتغريب، والاغتراب، والعولمة الثقافية، واختراق الإدراك والوعي، وتكييف القيم والسلوك.
كما دعا إلى تضافر الجهود الفكرية والدينية والثقافية لمواجهة هذه التحديات، وتحصين المجتمعات من مخاطر الانسلاخ والتمزق، مبينا أن الهوية الدينية لا تتعارض مع الانتماء الوطني أو القومي، بل تشكل في توازنها واعتدالها ركيزة أساسية لبناء المجتمعات المستقرة والمتماسكة، داعيا إلى ترسيخ هذه القيم في الوجدان العام، وتعزيز الأمن الفكري والثقافي للأمة في مواجهة موجات التشكيك والتزييف والعبث بالهوية.
ولفت إلى الدور المحوري الذي يضطلع به الأزهر الشريف، هذه المؤسسة العريقة التي جاوزت الألف عام، وظلت طوال تاريخها منارة للوسطية والاعتدال، وركنا ركينا في بناء الوعي الإسلامي الرشيد، حيث حمل على عاتقه مهمة نشر القيم الإسلامية السمحة، وترسيخ ثقافة الحوار، وتفنيد الفكر المتطرف، ومواجهة الغلو والانحراف العقدي والسلوكي، وذلك تحت القيادة الحكيمة لفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي يعد صوتا عالميا للسلام والعدل، وصاحب المبادرات الرائدة في دعم العيش المشترك، وتعزيز التفاهم بين أتباع الأديان والثقافات.
وبين مفتي الجمهورية أن دار الإفتاء المصرية تشاركها هذا الدور وتسير على هذا النهج الأزهري الأصيل، إذ تقوم دار الإفتاء بدور محوري في مواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ونشر الوعي الديني المستنير، من خلال ما تقدمه من فتاوى رصينة تستند إلى منهج علمي راسخ، وتراعي الواقع وتحدياته، وتعمل على دعم السلم المجتمعي، وصيانة الهوية الدينية والوطنية، كما تسعى الدار إلى تعزيز قيم المواطنة والتعايش، وتفعل حضورها العالمي عبر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تعد منصة دولية للحوار والتنسيق والتواصل بين مؤسسات الإفتاء في مختلف أنحاء العالم، في سبيل مواجهة مشكلات العصر، والتصدي لمظاهر الانغلاق والتشدد.
كما أعرب فضيلة المفتي ، في ختام كلمته، عن خالص شكره وتقديره لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية على كرم الضيافة و حفاوة الاستقبال، ومشيدا بتنظيم هذا المؤتمر المهم، الذي يسهم بلا شك في تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز القيم المشتركة ونشر وسطية الإسلام، بعيدا عن الغلو أو التفريط.