أخبار عاجلةمقالات وابداعات

(السيرة السيناوية) الجزء الثانى (العهد) روايات البطولة خلف الخطوط ..البطل شلاش خالد ..بقلم محمد نبيل

الحلقة الرابعة : رسائل المهمة الأولى لمشايخ سيناء

(السيرة السيناوية) الجزء الثانى (العهد) روايات البطولة خلف الخطوط ..البطل شلاش خالد ..بقلم محمد نبيل 

(السيرة السيناوية) الجزء الثانى (العهد) روايات البطولة خلف الخطوط ..البطل شلاش خالد ..بقلم محمد نبيل 
(السيرة السيناوية) الجزء الثانى (العهد) روايات البطولة خلف الخطوط ..البطل شلاش خالد ..بقلم محمد نبيل

كتب : اللواء

أبناء سيناء قاموا بما عليهم لصالح هذا الوطن، وكانوا أول مَن سدد فاتورة الدم دفاعًا ليس فحسب عن سيناء إنما عن الوطن.. ترابه المقدس وأهله الطيبين، وكان مقتضى الحال يستوجب حكى بطولات المصريين أبناء سيناء؛ ليس سردًا لمرثية هؤلاء الرجال والنساء والأطفال، بل لرد الفضل لأصحاب الفضل على كامل الوطن، هم مَن تقدموا طواعية عقب النكسة لمساعدة قواتنا المسلحة فى استعادة الأرض والكرامة ولو كلّفهم هذا السبيل الروح والدم، ولم يعلموا أن أحدًا سيذكرهم، ولم يقدموا على التضحية لمجد يسعون إليه، بل لمجد الوطن وأهله… وهم الذين منحتهم أرض سيناء المقدسة نوعًا من قداسة البطولة، وكرم التضحية، وعفوية الفداء.

تضمنت المهمة الأولى للبطل “شلاش” تفاصيل أحرى غير تأمين نقل الجنود من سيناء إلى غرب القناة، ورغم عدم علمه الدقيق بأساليب التخفى من العدائيات المحتملة من العدو الصهيونى، كما إن هناك تحدٍ آخر وهو أنه لا يعلم ـ أيضا ـ الطرق المختصرة والغير متوقع منه ومن غيره ارتيادها، فهو لم يعهدها من قبل سابق، وهنا يصف “عادل” مشاعر والده “شلالش” كما وصفها له عن هذه المهمة:” … لم أكن أتصور أننى قادر على هذه المسئولية، وأن الرجال سيعودن معى بسلام إلى غرب القناة، والحق أقوله: أن الله سبحانه وتعالى وفقنى فى هذه المهمة لصدق نوايا الجميع، وأيضا فتح الله علىّ من أسرار سيناء التى لا تهبها إلا لمن يحبونها ويخشون عليها، فأعلمتنى بمسارب وطرق لم تطئها قدمى من قبل إنما بفطرة العشق لسيناء، التى بدورها أخبراتنا عن أسرارها، وأنجحت أول مهمة لى على أرضها لصالح رجال القوات المسلحة!… فكنا أربعة أفراد توجهنا إلى سيناء عبر ملاحات بورسعيد، وكانت هذه بالنسبة لىّ هى أول مرة فى حياتى أعبر فيها من خلال ملاحات بور فؤاد، والثلاثة الذين كانوا معى فى هذه المهمة من قبيلة الأخارسة، وهم: نصار أبو محمود، وعيد سليمان سمرى، وحسن سليمان فريشع، وتحركنا بعد آخر ضوء عند آذان المغرب مباشرة، حيث استترنا بالظلام عند دخولنا الملاحات لزيادة عنصر التأمين وتغطية تحركاتنا إلى الشرق، لكن الليلة كانت حالكة الظلمة لدرجة أن نجوم سمائها قد ولت واختفت، وهى التى عهدناها دليل لنا فى صحارى سيناء ليلا، لكن الأمر الآن مختلف تماما فلم نعتاد السير فى الملاحات، وحاصرنا الضباب من كل اتجاه، وتكثف بخار الماء مما صعب علينا التنفس بأريحية مما زاد من الجهد وعناء الرحلة الى الشرق، وفضلا عن صعوبة السير فى المياة المالحة ذات المستويات المتباينة فى الارتفاع والانخفاض، فكنا نتفاجىء بمستويات المياة بعد ان تخيلناها ستستمر عند منتصف اجسادنا فأخذتنا قيعان البحيرات حتى بلغت المياة رقابنا وفى أحيان أخرى كانت تعاند وصول الهواء لانفاسنا وربما تغطى رؤوسنا، لكننى كنت ارى معشوقتى سيناء تأخذ بيدى وايدى زملائى حتى تنقذنا من الغرق فى الملاحات و هى المرة الأولى التى سرنا فيها وتحت ظروف غير ميسرة وبالاضافى لكل ما سبق وصفه من صعوبات كانت الحالة النفسية هائجة ومضطربة ما بين الخوف من الفشل فى تحقيق المهمة التى وثقت القوات المسلحة فينا بالقيام بها، وبين مغبة اكتشاف العدو الصهيونى لنا وهنا نحن الاربعة لم نخشى الاعتقال بل نرجو نجاح المهمة حتى نشرف بمهام تالية نقدم من خلالها للوطن جزء من حقه علينا.

وما ان وصلنا الى شرق الملاحات ووطأت اقدامنا تراب سينا حتى سجدت شكرا لله وسجد معى زملاء الفداء، وتلفت خلفى أرقب هذه البحيرات التى كنت اسمع عن عبورها بالمراكب وحتى ذلك العبور لم اعتاد عليه، فما بالى بعبورها على الأقدام وتحت تحدى هذه الظروف، وربما اعلنت البحيرات صداقتها معى من هذه المرة الأولى لى معها، ومن هنا استشعرت اننى سأكرر هذه التجربة مرات ومرات ولو كلفنى فى سبيل ذلك حياتى.

قبل المهمة الرئيسية لنا وهى تأمين عودة القوات إلى غرب القناة عبر الملاحات من جديد فى طريق العودة، فكانت على أكتافنا مهام أخرى لا تقل أهمية، فكنت مع زملائى نحمل رسائل مكتوبة وأخرى شفاهية علينا توصيلها إلى الأبطال من مشايخ سيناء وهم الذين كنا نعرف عنهم شهامتهم واخلاصهم فى حب سيناء، وكان على التوجه إلى المجاهد البطل “الشيخ عبد العزيز أبو مرزوق” شيخ قبيلة البياضية، بهدف تسليمه رسالة نصية من رجال القوات المسلحة، والتى لم أكن أعلم حينها عن تفاصيلها، فكانت أمانة المهمة هى توصيل الرسالة المكتوبة والمغلقة كما هى دون السؤال عن فحواها أو ما تتضمنه الرسالة.

لكننى فيما بعد وعندما قمت بعدة دوريات من العبور بالقوات من الشرق الى الغرب تحدث لى أحد القادة المسئولين عن تحركاتى والمهام الموكلة إلى فقال : هل كنت تعلم بتفاصيل الرسالة التى كنت تحملها إلى رجالنا فى الشرق؟” فقلت بمنتهى الصدق:” هذه آمامة ويكفينى شرفا حينها أنكم قد ءأتمنتمونى عليها، فلم يكن همى معرفة محتواها إنما توصيلها إلبى رجالكم، ولو كلفتنى هذه الرسالة فى سبيل توصيلها حياتى”.. وهنا ربت القائد على كتفى وقال لى :” كانت تعليمات منا الى رجال سيناء حول خطط الاخلالء للقوات بالتوقيتات والمواقع والبدائل لهما حال صعوبة تنفيذها، كما كانت تعليمات بتنفيذ عمليات تدمير لمعسكراتنا فى الشرق حتى لا يستفيد العدو من اسلحتنا ومعداتنا” … وعلى الرغم من توقعى لما تحتويه هذه الرسالة من تكاليف وتعليمات ذات أهمية كبرى لقواتنا المسلحة وفى صالح رجالنا بسيناء، إلا اننى ظللت أبكى بشدة لعظم تلك المهمة التى أوكلها لى قادة القوات المسلحة فى بورسعيد ولثقتهم التى طوقت عنقى وكانت عندى أغلى من حياتى.

وكان للشيخ “أبو مرزوق” دوره فى تنفيذ هذه المهام التى أوصلتها إليه بالتعاون مع جميع مشايخ سيناء بلا استثناء، والذين وصلت إليهم تعليمات القوات المسلحة من خلال مناديب من شباب سيناء لا يقلون فى وطنيتهم واخلاصهم عن هؤلاء الين قاموا بتنفيذ تلك التعليمات التى حرمت العدو من الاستفادة من اسلحتنا ومعداتنا، وقامت القبائل فى الشمال والجنوب من سيناء بعمليات شهد ببطولتها العدو قبل الصديق، وكانت نتيجة لتلك الرسالة التى حملتها فى كيس بلاستيك وطوقت بها صدرى عند نزولى فى الملاحات، وأيضا علمت أن تلك الرسالة كانت تضم تعليمات من محافظ سيناء اللواء محمد عبد المنعم القرمانى، وأوصلها الشباب من أبناء سيناء إلى رجال الحدود فى النقاط التى تمركزوا فيها واحتلوها.

وبعد أن قمت بتوصيل الرسائل إلى أصحابها كما كانت التعليمات من القيادة فى بورسعيد، جاء الدور على الجزء الثانى من المهمة، وهو الأصعب حيث تم توزيعنا إلى أربعة مجموعات كانت فى انتظارنا، فقد سبقنا غيرنا من المخلصين من ابناء سيناء بالإعداد لتشكيل هذه المجموعات الأربعة بعد أن قاموا بتجميعهم من العريش والشيخ زويد وآوهم فى ملاذ آمن ببيوت الشجعان من أهل سيناء، وعند التوقيت المحدد والموقع ايضا المحدد مسبقا تم تسليمنا الرجال وكنا كأدلة كل واحد منا خلفه ما يزيد عن الخمسة والعشرين إلى الثلاثين من الرجال، وكانت المهمة واضحة، وهى العبور بهم وبآمان عبر الملاحات إلى الغرب من القناة”.

وهنا يحكى “عادل” عن والده صعوبة رحلة العودة، فيقول عن أبيه:” كنا نظن بعد تسليمنا الى الرسائل أن المهمة التالية ستكون أسهل، لأننا تعرفنا على طريق المجىء وهو ذاته طريق العودة، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة فكان فى أعناق كل منا خيرة أبناء الوطن ولم نكن نرغب فى أدنى مخاطرة لهم خاصة وقد علمنا كم المشقة التى تكبدوها حتى وصلوا الينا ، وهم يعتمدون كما تعتمد علينا القيادة فى الغرب فى نقلهم بآمان إلى الغرب من القناة، وكان التحدى أكبر من مجرد رحلة المجىء التى كنا فيها مسئولون عن أرواحنا فقط إنما الآن فالمعاناة النفسية الملقاة على عاتقنا أكبر وأهم فهم “خير أجناد الأرض” ونحن من تشرفنا بتأمين عبورهم سالمين”.

ويصر “عادل” على نقل وصف والده لهذه المهمة الأولى فى حياته:” كنا نتمنى الموت لنا وان يكتب الله لهؤلاء الرجال الحياة، ولم يكن يوما ندعوا الله ان يوفقنا فيه مثل تلك الأيام الثلاثة التى نعبرنا فيها برجالنا من الشرق إلى الغرب وعندما سلمناهم بآمان إلى القيادات فى الغرب، كنا على علم ويقين بأنه سيأتى يوم “قريب” وسيعبر فيه الرجال هؤلاء الى الشرق، وكنا نعبر بهم لننتظر عودتهم من جديد”.

ونستكمل فى القادم ان شاء الله مهام تالية للبطل شلاش.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى