أخبار عاجلةمقالات وابداعات

الاستثمار الثقافى والمصرى الجديد (١٣) الذات الدمثة والذات المتبجحة .. بقلم محمد نبيل

الاستثمار الثقافى والمصرى الجديد (١٣) الذات الدمثة والذات المتبجحة .. بقلم محمد نبيل

الاستثمار الثقافى والمصرى الجديد (١٣) الذات الدمثة والذات المتبجحة .. بقلم محمد نبيل
الاستثمار الثقافى والمصرى الجديد (١٣) الذات الدمثة والذات المتبجحة .. بقلم محمد نبيل

كتب : اللواء

طور الإنسان من مجرد كائن مثله مثل بقية الكائنات ليكون إنسانًا, ولم يكن هذا التطور إلا تحضرًا وانتقالًا من حياة الدونية إلى السمو والرقى, وأدرك الإنسان الأول أن لا استمرار لوجوده ضمن سلسلة الكائنات ما لم يمارس حياة الإنسانية التى تختلف جوهرًا ومظهرًا عن سواه من الكائنات طيرًا كانت أو حيوانًا أو نباتًا, المكتملة البناء منها وحتى وحيدة الخلية, اللحمية والعشبية, والفقاريات والزواحف, وأصحاب الدم البارد والساخن, والثدييات وأحادية المسلك التى تبيض, والكاسر المفترس منها والوديع المطيع, وتلك التى بلغت تصنيفاتها إلى أكثر من 5700 نوع لـ 1229 جنسًا و153 فصيلةً بها 29 رتبةً وفقًا لكتاب أنواع الثدييات فى العالم, والإحصاء هنا لزمرة الحيوانات فحسب، ولم نتطرق لقبائل الحشرات وجماعات الطيور وألوان النباتات التى يصعب حصرها -الآن- وجميع الكائنات التى خلقت منذ الحقب والعصور الأولى، مثل: الكربونى والباليوجين والنيوجين لحقبة السينوزى, وجميعها يحكمها قانون الطبيعة التى فُطر عليه كل منها, أما الإنسان الذى هو أساس التطور والارتقاء فى الحياة بوجه عام اعتمد وجوده فى الأساس على حقيقة الأخلاق وكنهها, فمتى استطاع الإنسان الإعلان عن حزمة أخلاق تصون وجوده من خلال إحكام وتنظيم علاقاته بذاته أولًا, وبغيره من بنى جنسه ثانيًا, وببقية المخلوقات فى النهاية, وهنا يبدأ تأريخ الحضارة الإنسانية التى لا أساس لها دون أنساق الأخلاق, وهى التى تعد مرحلة ما بعد الإنسان البدائى الذى هجر حياة وقانون الغاب أملًا فى تعايش إنسانى حقيقى, ولا شك –علميًّا– فى انتساب هذا التطور والبدء الحضارى للمصرى الأول الذى صاغ أول نسق أخلاقى فى الوجود، ولعل نقوش المسلات ورسوم الجدران وكتابات البرديات التى ورثناها عن أجدادنا المصريين الأولين هى الدليل الدامغ علميًّا على أن المصرى الأول هو صاحب السبق الحضارى، فإذا أردت أن تقرأ عن أخلاق المصرى الأول فعليك البدء بـ(ترنيمة آتون)، وهى التى صاغها إخناتون لإله الشمس آتون، التى تم اكتشافها بمقبرة آى بتل العمارنة، والتى وصلت ترجمتها من الهيروغليفية إلينا عبر النص الألمانى للعالمة كريستين المهدى, أو (وصايا أمنمحات الأول) لابنه سنوسرت الأول التى تصدرت الدولة المصرية الوسطى، وتدور حول نصح من روح الأب لابنه فى اتباع الحكمة من خلال قالب شعرى باللغة الهيراطيقية, و(تعاليم بتاح حتب) وزير الفرعون جد كا رع من ملوك الأسرة الخامسة، التى تم ترجمتها بعد اكتشاف بردية بريسى لبتاح حتب وزوجته خامرر نبتى بمقبرة سقارة, وهى -بردية بريسى- معروضة فى المكتبة الوطنية بفرنسا, ونقلًا عن الترجمة الفرنسية لباتيسكومب جن 1906 ضمن مجموعة مؤلفات “حكمة الشرق”, وتتضمن التعاليم (.. فضائل السلوك السوى بين الناس, ومنها الصدق والعدل والرفق بالآخرين وضبط النفس, و…, وتجنب الصراعات، ولا ينبغى أن يعد ذلك ضعفًا, و…, وأن الطمع هو أساس كل شر, وأن الكرم مع الأهل والأصدقاء أمر جدير بالثناء, وقبول السمو فى المقام الاجتماعى باعتباره منحة إلهية)، وربما كانت أبرز تلك التعاليم (الكلمة الحسنة مدفونة أعمق من الحجر الكريم, وهى موجودة بجانب الخدم العاملين فى الطاحونة) و(لا تتفاخر بما تعرفه واستشر الجاهل والحكيم) و(السلوك السليم تعرفه من الطريق السليم فى التعامل). أى أخلاق تلك التى تحضر بها أجدادنا الأوائل، وهى بلا شك التى أوجدت مناخًا صالحًا للإبداع وبيئة سوية للإنتاج العلمى والعملى، فبرع الأجداد فى الهندسة والعمارة العبقرية التى أذهلت الإنسانية تباعًا, واستهل الأجداد قواعد ونظم الرى, وكانوا أول من أسسوا النظريات الطبية وطرائق العلاج، حتى أنهم صنعوا الأعضاء التعويضية والأطراف الاصطناعية، وأنتجوا الدواء بعد تجارب عديدة لتعميمه، وينسب لهم علم الفلك والأجرام السماوية وغيرها من علوم الصناعات الحربية والمدنية, حتى صدق قول محمد حافظ إبراهيم شاعر الشعب ورائد المدرسة الكلاسيكية فى الشعر فى العصرالحديث، وهو من لقبوه بشاعر النيل؛ ربما لسكنه فى مركبة راسية على أحد شواطئ النيل, وبعد عودة دولة رئيس الوزراء عدلى يكن من أوروبا تاركًا مفاوضات الاستقلال المجحفة ضد المصريين من جانب إنجلترا 1921 (وارفعوا دولتى على العلم والأخلاق؛ فالعلم وحده ليس يجدى)، فهو مَن علِم أن المصريين أسسوا الحضارة على الأخلاق أولًا, ولا يغيب عن باحث فى علوم الدين والشرائع أن القرآن به 6236 آية من ضمنها فقط 110 آية عن العبادات، بينما 1504 آية عن الأخلاق، أى ضعف آيات العبادات 15 مرة, وفى أناجيل (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) المتعارف والمتفق عليها، وغيرها مثل أناجيل (برنابا ويهوذا وتوماس) والتلمودين (البابلى والأورشليمى)؛ جميعهم يدعون إلى حسن الخلق أولًا بين الإنسان وذاته ومع غيره من الناس وسواهم من الكائنات الأخرى, وربما كانت فلسفة القوانين الوضعية هى تهذيب الذات الإنسانية والحفاظ على تحضرها, من هنا كانت الذات الدمثة هى أساس التطور الإنسانى وارتقائه، أما تلك الذات المتبجحة التى تسلك مسالك الشذوذ الباطن والظاهر والمعلنة جهارًا عيانًا عن تدنيها الأخلاقى سواء باللفظ أو بالزى أو بالتعامل البينى مع الآخرين أو حتى فى الاعتقاد وأنماط التفكير؛ فتلك الذات تتحرك صوب اتجاهات رجعية لأسفل بهدف التدنى, وللوراء بغية التخلف والعودة إلى ما قبل الإنسان الأول. وعلى كل متحضر يرغب فى تحقيق وجوده والانتفاع بالتراكم الأخلاقى الإنسانى تحديد موضع ذاته من بين هذه الدمثة أو تلك المتبجحة ليتحقق من تصنيف وجوده بين الخلائق والكائنات.
وسيأتى الحديث عن الذات العارفة والذات الظلامية, والأخريات البناءة والهدامة, وغيرها العادلة والباطشة. ونستكمل فى القادم إن شاء الله لنبنى أركانًا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وإدراكه لإمكاناته فى التغيير, وعلى الإنسان أن يعيد تقييم ذاته ليرسم بيده ملامحه، ليست الشكلية فحسب، وإنما الباطنة أيضًا, ويعود كما كان أجداده الأصل وأصحاب الفعل، وليس الشبه والمفعول به!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى