الامن الثقافى والهوية الوطنية ثقافة الدعاية ودعاية الثقافة (3-4) بقلم محمد نبيل

الامن الثقافى والهوية الوطنية ثقافة الدعاية ودعاية الثقافة (3-4) بقلم محمد نبيل

كتب : اللواء
نستكمل الحديث عن أساليب الدعاية التى تحولت من مجرد أساليب ترويجية اقتصادية الى اسلحة هجومية معادية من جانب الدول ذات نوايا الاحتلال والتمهيد لمناخ عربى عام لثورات الربيع العربي… وعمت بهذه الدعاية “الفوضى الخلاقة” التى تحدثت ونظرت لها كونداليزا رايس فى 2005 وصاغتها هيلارى كلينتون فى كتابها “الخيارات الصعبة” وصدر فى “مليون” نسخة 2024 تناول مذكراتها عندما كانت وزيرة للخارجية الامريكية فى الفترة من 2009 ـ 2013
والحديث هنا عن هبوب ثورات الربيع العربى والغريب المثير للفضول انها هبت على الدول وليس الممالك والامارات (!)
وحدث أعظم استخدام للدعاية الغربية لتعميم وفرض نموذجها “المسخ”على الشخصية المصرية وروجت خلال هذه الفترة لاقحام مصطلحات بعينها لم تكن ضمن المكون الثقافى المصرى أو من ثوابت النسق الفكرى الجمعى وهى بالتحديد ـ لا على سبيل المثال ـ مفردات “الاغتراب” و”المثلية” و “الالحاد” تلك أضلاع مثلث الهجوم على الشخصية المصرية وتمت خلال الهجوم تطويع كافة اليات الدعاية ومنها تطبيقات برامج التوصل الاجتماعى التى تعمق الخلاف والابتعاد وليس الاتفاق والتواصل، والمنصات الرقمية التى تأصل للأغتراب والانعزال عن تجمعات الوحدة المجتمعية الاولى، وما يتخلل كل هذه الأليات من مضامين تستهدف هدم الاخلاق، وتكفير الآخر، وقتل الانتماء للارض والاهل، فيما عرف بحروب الجيل الرابع.
وهذا التطور لفكرة الدعاية التى خرجت من رحم نظريات الاتصال التى نظر لها علماء الاجتماع والسياسة فى بدايات العقد الخامس من القرن المنصرم أمثال الكندى مارشال ماكلوهان الذى صاغ المفاهيم الأولى لنظريات وسائل الاعلام بين دفتى كتابه «جوتنبرج جالاكسي: صناعة الإنسان المطبعى” (1962) والكتاب الثانى “فهم وسائل الإعلام” (1964) الا ان الدعاية خرجت عن سياقها التروجى للمنتجات وهو الاهدف الكلاسيكى، إلى مناحى أكثر تطرفا حتى كانت سلاحا قويا فى أيادى الساسة والراغبين فى السيطرة وبسط النفوذ.
وتحولت اليات ووسائل الدعاية إلى أنماط حياة من حيث التفكير والشعور ومن حيث السلوك الاعتيادى اليومى فصح أن يطلق عليها “ثقافة الدعاية” التى يتثقف بها عموم الناس والصفوة الخاصة منهم لتحقيق مأربهم المختلفة والمتباينة.
أما وان نقول بدعاية الثقافة، فهنا القصد مختلف تمام الاختلاف إذ ان الغاية هنا هى وبلاشك الترويج للمنتج الثقافى المجرد والملوس وأيضا الترويج للقائمين على الفعل الثقافى، وتتضمن الدعاية الثقافية فى أهدافها الترويج للاستراتيجية الثقافية سواء كانت مكانية التنفيذ كالمحلية أو الاقليمية أو العالمية، أو كانت تتبع مرحلية زمانية أنية أو قريبة أو على المدايات الزمانية المتباعدة، وأيضا من أهداف الدعاية الثقافية هى: التأثير من خلال انتشار ثقافة بعينها تتضمن رسائل مخططة مسبقا لتحقيق غايات فى مدى زمنى ونطاق جغرافى ولجمهور مستهدفين ومحددين، لتحقق جزءا أو أجزاء من استراتيجية الدولة تجاه مجتمعها أو خارج حدها السياسى بهدف تحقيق الاستقرار المجتمعى وبالتالى الرخاء الاقتصادى، داخليا، وتحقيق نوعا من بسط النفوذ والسيطرة الايديولوجية على المحيط الاقليمى من خلال القوة الناعمة، ولا نغالى إذ تحدثنا أن “القدرات الصلبة” للدولة تتسق طرديا مع امكانات “قوتها الناعمة” فى التأثير العابر للقارات، حتى تتمكن من القيام بالفعل الحاكم عالميا وليس ـ فقط ـ اقليميا.
هذه هى استراتيجية “الدعاية الثقافية” للدولة أما حين تغاير هذه الاستراتيجية الدعائية للثقافة أهداف دولتها “نظاما وشعبا وارضا” فهى هنا أشبه بالدعاية المضادة، وهنا هى تعد نتاجا طبيعيا لتخلى الثقافة عن وطنية أهدافها، وتحولها من مربع الفاعل إلى المفعول به وتكون الثقافة تابعة لقوى خارجية سواء بقصد “الخيانة” أو “بعشوائية” التخطيط الدعائى.
ويقتضى الحال ـ هنا ـ بمراجعة الثقافة بمفهومها الشامل والقائمين عليها واستراتيجيتها العامة واهدافها الجزئية وسياساتها المرحلية وآلياتها وامكانتها الحقيقية على الأرض، بما يسمى إعادة تصويب المسار وتصحيح الاتجاه، كما حدث فى الفترة ما بين 2011 ـ 2013 حيث وقع العقل الجمعى والوجدان العام عندما فارقته الثقافة الوطنية وغابت عن المشهد وتسلطت الثقافة الوافدة المعادية على هذين العقل الجمعى والوجدان العام ما صاغ وعيا هشا سهل اختراقه وتحقيق بعض الاهداف المخططة مسبقا لاسقاط الدولة المصرية، وما أن استعاد المصريون بوصلتهم القويمة وصححوا مسار واقعهم حتى انكشفت سريعا أهداف الدعاية الثقافية المضادة من جانب وأيضا تبين للمصرين هشاشة استراتيجتهم الثقافية وعدم قدرتها على التصدى لهذه الدعاية الثقافية التى تستهدف تشويه ثم طمس ملامح الشخصية المصرية مما يسهل بعد ذلك من مهمة الثقافة المعادية من هدم الدولة وتمزيق وحدتها السياسية والمجتمعية.
وللحديث بقية ان شاء الله.