أخبار عاجلةمقالات وابداعات

معبد دندرة:رمز الإلهه حتحور.. بقلم الباجثه: هاجر الهواري ( باحثة فى التاريخ المصرى القديم )

معبد دندرة:رمز الإلهه حتحور.. بقلم الباجثه: هاجر الهواري ( باحثة فى التاريخ المصرى القديم )

معبد دندرة:رمز الإلهه حتحور.. بقلم الباجثه: هاجر الهواري ( باحثة فى التاريخ المصرى القديم )
معبد دندرة:رمز الإلهه حتحور.. بقلم الباجثه: هاجر الهواري ( باحثة فى التاريخ المصرى القديم )

كتب : اللواء

يُعدّ معبد دندرة واحدًا من أروع ما خلّفه المصري القديم من شواهد حضارية تجمع بين العمارة والفكر الديني والفن الفلكي في وحدة متكاملة. فهو ليس مجرد بناء حجري، بل سجلّ حيّ يعكس تطور العقيدة والذوق الفني عبر العصور المصرية حتى العصرين البطلمي والروماني.

يقع المعبد على الضفة الغربية لنهر النيل شمال مدينة قنا، ويُعدّ من أكثر المعابد المصرية اكتمالًا وحفاظًا على نقوشه وألوانه. وقد كان مكرسًا لعبادة الإلهة حتحور، سيدة الجمال والموسيقى والبهجة، التي جسدت في الفكر الديني المصري رموز الأنوثة والخصوبة والنور، وجعلت من دندرة مركزًا روحيًا يرتبط بالفرح والشفاء والعطاء الإلهي.

رغم أن بناء المعبد الحالي يعود إلى عهد بطليموس الثاني عشر (والد كليوباترا السابعة) واستُكمل في عهد الأباطرة الرومان، وعلى رأسهم الإمبراطور طيباريوس، فإن موقع دندرة نفسه كان مقدسًا منذ الدولة القديمة، مما يوضح عمق الجذور الدينية للمكان واستمرارية طقوسه عبر القرون.

أما تخطيط المعبد فيلتزم بالأسس المصرية التقليدية: محور مستقيم يمتد من البوابة إلى قدس الأقداس مرورًا بالفناء المكشوف، وقاعات الأعمدة، والغرف الجانبية المخصصة للكهنة والطقوس. ويُعد المدخل الرئيسي مشهدًا مهيبًا للزائر، يعبّر عن فكرة الانتقال من العالم الأرضي إلى عالم النور الإلهي.

تُعتبر قاعة الأعمدة قلب المعبد النابض، وهي من أروع ما أنجزه الفن المصري في العصور المتأخرة؛ إذ ترتكز على أربعٍ وعشرين عمودًا تعلوها تيجان على هيئة وجه الإلهة حتحور، بملامحها الهادئة وابتسامتها الوديعة التي تنشر السكينة في المكان، وكأن المعبد بأسره يفيض بأنوثة مقدسة تحتضن الداخلين إليه. ويزيّن سقف القاعة نقوشٌ فلكية دقيقة تمثل النجوم والكواكب ومسار الشمس والقمر، في تصوير بديع للعلاقة بين حتحور والسماء والنور.

ومن أبرز الكنوز المكتشفة في المعبد زودياك دندرة، تلك الخريطة السماوية الدائرية التي تُعد من أقدم وأدق التمثيلات الفلكية في التاريخ، وتجسّد كيف ربط المصري القديم بين الدين والعلم والفلك، فجعل من النظام الكوني انعكاسًا للنظام الإلهي في الكون.

كما تزدان جدران المعبد بمشاهد ملوكية دقيقة تُظهر الملوك البطالمة والرومان وهم يقدّمون القرابين لحتحور، في إشارة رمزية إلى تجديد الشرعية الإلهية للملك واستمرارية العلاقة بين الحاكم والإلهة التي تمنح النور والحياة. ومن خلال هذه الطقوس كانت قوى الخلق والخصوبة تتجدد في الكون، ليظل المعبد مركزًا للطاقة الإلهية المستمرة.

لم يكن معبد دندرة معبدًا دينيًا فحسب، بل كان أيضًا مركزًا للفن والطب والفلك؛ إذ وُجدت به نصوص طبية وعلاجات تعتمد على الموسيقى والعطور، بما يتناسب مع طبيعة حتحور كإلهةٍ للشفاء والجمال. ومن هذا المزج بين العبادة والعلم ، قد يكون دندره كأحد أكثر المعابد المصرية تكاملًا في الوظائف والرموز.

كما يظل معبد دندرة أكثر من صرح حجري؛ إنه قصيدة منحوتة في الصخر تُنشد للنور والأنوثة والخلود. بين أعمدته يتجلّى التوازن بين العقل والروح، وبين نقوشه يُستشفّ شغف المصري القديم بالحياة الأبدية. وهناك، حيث تبتسم حتحور من بين النقوش، يهمس الحجر بحقيقة خالدة: أن الجمال لم يكن زينة للوجود، بل طريقًا للوصول إلى الإله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى